مؤتمر القيادات التربوية الخامس عشر "التميز في قيادة فرق العمل"


حينما أقف أمام هذه الكوكبة من التربويات والتربويين تملؤني الثقة ويزداد يقيني بأننا نتجه إلى المستقبل بقوة وعزيمة، ذلك أنكم وقود التغيير، تحملون على عاتقكم مهمة حساسة وسامية، فأنتم بما تقدمونه تزودون بناتنا وأبناءنا بعدة سفرهم على طريق المستقبل، ليرسموه بأزهى الألوان. إن عملكم هو كفاح من أجل حياة أكثر جمالاً وبهاء، فأن نفتح أبواب المعرفة هو الكفاح الإنساني الذي يملأ الإنسان بالفرح، ذلك لأنه كفاح من أجل المعرفة، يغير الإنسان ويغير الواقع في آن واحد.
 إن الاتجاه إلى المستقبل يوحد، يبطل العزلة، يصل فيما بين الأشياء وما بين الجماعات، وهنا يأتي دور القادة التربويين، الذين تقع عليهم مسؤولية لا تقل أهميتها وحساسيتها عن دور المعلم.  لذا فنحن بحاجة إلى قائد متفتح يقبل الاختلاف بل يحتفي به. فالمختلف يحيينا، يجعلنا في يقظة دائمة، يدلنا على أخطائنا ويدفعنا لكي نكون أكثر كمالاً، ولكي نتجاوز أنفسنا. إنه بمعنى أدق ضوؤنا الآخر.
كما أننا بحاجة إلى القائد المتفائل الذي ينثر تفاؤله أينما حل، فالاستسلام للواقع شكل من أشكال تعميم العجز والفشل، ورفض الاستسلام ما هو إلا نشوة فريدة تضع الإنسان وجهاً لوجه مع قوى الشر والظلام، يتحدى كل ما يدمر، ويعانق كل ما يبني. وهو إلى جانب ذلك كله راء ينفذ إلى ما تعجز الرؤية العادية عن النفاذ إليه من أجل كشفه وإضاءته.
 إن القائد الحقيقي يحتاج إلى رفاق وشركاء لا تابعين، فالشركاء قادرون على الحوار والجدل، ومن هنا يزداد العمل غنى، فالتاريخ لا يُصنع من فوق، وإنما يُصنع على أيدي البشر الرائين الخلاّقين، فقد يصل الواحد منا وهو يسير وحده بسرعة، ولكنه مع الفريق يقطع مسافة أطول، وهنا تكمن جماليات الرحلة. فالطريق إلى البيت أجمل من البيت نفسه.
 والقائد الناجح ملهم يعلي من شأن المخيلة، ويرى أنها ثروة فريدة للاستثمار المعرفي، فالإبداع يجعل من المعرفة وعداً متواصلاً، وهو يهيئ لمجيء الإنسان العربي الجديد، الإنسان المتفرد والكوني في آن واحد. ولهذا على القائد أن يؤمن بأن هؤلاء المعلمات والمعلمين يزرعون المعرفة فتنبت في كل شيء، ويستأصلون الجدران التي تحول دون الرؤية والسير والتحرر. وهم في الوقت نفسه بحاجة إلى قائد محب متسامح، فالأسئلة الكبرى لا تُطرح إلا بقوّة الحب، وبهذه القوة وحدها، يمكن أن نتخطى الأجوبة. إن القائد القدوة يشحن شركاءه بلهب جديد، لكي يظلوا يقظين وفي فتوة دائمة، ولكي يحلموا ويستبصروا ويستقصوا فيوغلوا في فهم الأشياء والعالم... ولكي يظلوا في حركة مستمرة من الولادات الجديدة، وبذلك يخلص مؤسسته من البقع والتورمات التي تقودها إلى الهرم.
  لا يكفي أن نمتلك المعرفة وإرادة العمل وطاقته وديناميكيته فحسب بل علينا أن نعيد الروح إلى المدرسة ونوقف عزلتها عن الإنسان والطبيعة والمجتمع، وأن نطرح الأسئلة ولا نكتفي بملامسة السطوح بل النفاذ إلى الجوهر لنشكل المعنى ونبحث عن معنى المعنى.ليعمل كل واحد منكم في منصبه وهو يقول: أنا الباحث الحر الطامح المتطلع الذي يعيد النظر دائماً، ويعيد خلق الأشياء ليخرّج الطالب الذي نريد، ذلك الطالب الذي يعمل من أجل خير هذا الوطن ويشارك في بناء العالم، ومن أجل تكريس إنسانية الإنسان.

العين هيفاء نجار 

 



تعليقات

المشاركات الشائعة