في اليوم الدولي للتعليم .... خلق مدرسة للحياة

 

قريباً ستعود الحياة إلى مدارسنا وستقرع الأجراس فيها من جديد، أجد لزاماً علي أن أدعو بصوت عال إلى ضرورة اجتماع كلمتنا وتوجيه بوصلتنا نحو تطوير أساليبنا وتعويض الفاقد، ومراجعة أدوارنا بانفتاح ومرونة وشفافية، وإعادة ترتيب أولوياتنا، وطرح أسئلة تتعلق بدور المدرسة الجديد، ودور المعلم بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة القادمة الجديدة. إن المرحلة الحالية تتطلب تغيير الكثير من المفاهيم القديمة حول التعليم والتعلم والتقييم، وضرورة تطويره من كافة الجوانب، ولذا فمن الضروري لنا العمل على تطوير مناهجنا المدرسية لتركز على المفاهيم والمهارات الحياتية والقيمية، والتخفيف من المعلومات التي لا تعكس تعليماً جديداً مبنياً على بنائية متسلسلة، والابتعاد عن المعلومات التي تخاطب الذاكرة فقط، مما يتيح بناء منهاج مبني على المعرفة النقدية وطرح الأسئلة، وخلق الحوار المستمر، والبحث المعمّق، وعلى المشاريع العلمية والمجتمعية، وهذا يستدعي استعادة البعد الاجتماعي العاطفي والعقلاني والروحي للمنهاج، بحيث لا يكون الطالب مستقبلاً سلبياً للمعرفة بل مشاركاً فاعلاً ومتعلماً دائماً لتطوير ذاته والعمل مع الآخرين بدافعية عالية، وبقدرات على تصميم المستقبل من خلال فهم الحاضر، وتحمّل المسؤولية المستمرة عنه وعن مستقبله.

 

المدرسة ليست مكاناً للتعلم فحسب، بل هي مختبر تتلاقح فيها الأفكار والرؤى، ومنتدى للحوار والجدل الدائم، وميدان للإبداع والابتكار، ومنطلق للتغيير، وحقل لزراعة الأفكار وحصد المشاريع والمبادرات. وهي بذلك ليست حيزاً جغرافياً بل مساحة نفسية تتجاوز التحديد والثبات، لأن كل ما فيها متحرك ومفتوح على اللانهائية. هي مجال لولادات متعددة للمعلم والطالب على حد سواء، وسفر دائم داخل الذات يكشف عن مجهولات داخل المعلم والطالب كانا يجهلانها، ويميط اللثام عن أسئلة أعمق ما فيها أنها تظل بلا أجوبة، وتولّد أسئلة تلو أسئلة.

ولكي تغدو هذه المدرسة مساحة نفسية خصبة وثرة فإن هناك عوامل عديدة تلعب دوراً في ذلك، ولكن يبقى المعلم هو الأقنوم الأهم، ذلك المعلم الذي آمن بدور التعليم في نهضة المجتمعات ونمائها، ودفعه شغفه بالتعليم نحو تلك المهنة، وحمله هاجسه نحو التغيير إلى غرفة الصف. إن الدور المنوط بالمدرسة والمعلم عظيم ليس للطلبة فحسب بل لجميع العاملين فيها، ولن نستطيع تكريس هذا الدور وترجمته على أرض الواقع إلا إذا توجهنا إلى مدارسنا بمحبة وشغف، وآمنا بأن التعليم وسيلتنا الأهم في التغيير الذي نريده في مجتمعاتنا، وبأننا نساعد كل فرد من أفراد أسرة المدرسة على تشكيل معنى جديد في حياته.

العين هيفاء نجار

المديرة العامة للأهلية والمطران


تعليقات

المشاركات الشائعة