هذه هي عمان التي أحلم بها




استيقظت في أحد الصباحات الدافئة، تناولت فطوري وشربت قهوتي على مهل، فموعد الحافلة التي تقلني إلى المحطة القريبة من عملي لم يحن بعد. فالحافلة تصل في الساعة السابعة وسبع عشرة دقيقة. اتخذت مكاني في الحافلة التي لا تنبعث منها غازات سامة في سماء مدينتي الغالية على قلبي. قررت هذا الصباح الجميل أن أسرح بخيالي وأستمتع بالمناظر الجميلة، الشوارع نظيفة والأشجار الخضراء تلف المدينة، والبنايات ذات الألوان الزاهية التي تستغل سطوحها بزراعة الأزهار أو أنواع مختلفة من الخضار مبنية بطراز معماري يجمع بين التراث والمعاصرة، وهناك الجداريات الجميلة التي تخلب الألباب. وصلت عملي في الوقت المحدد وأنا كلي حيوية ونشاط.

بعدما أنهيت عملي رجعت إلى البيت، وبينما كانت عائلتي تتحلق حول طاولة الغداء سألتني ابنتي الصغرى: أين سنقضي سهرتنا الليلة؟ أود لو نزور المعرض الفني لوالد صديقتي. قفزت ابنتي الأخرى وقالت: لا، نريد أن نسبح الليلة في فضاءات الموسيقى والغناء، فلنذهب إلى دار الأوبرا. ولكن ابنتي الكبرى أشارت إلى ضرورة مشاهدة العرض المسرحي الإيطالي أو حضور الأمسية الشعرية لشاعرها المفضل. لم نستطع أن نتفق على خيار من هذه الخيارات فقررنا معاً أن نقضي السهرة في الحديقة العامة القريبة من منزلنا، تلك الحديقة الجميلة التي تلبي حاجات الجميع سواء كان صغيراً أم كبيراً. والجميل في هذه الحديقة أنها تستمد إضاءتها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. أما سقاية عشبها الأخضر اليانع وأشجارها الوارفة فيتم بواسطة التقطير. إنها رائعة تساعد على الاسترخاء والتأمل. بعد أن قضينا وقتاً ممتعاً حملنا نفاياتنا بعد أن فرزناها ووضعنا كل نوع في الوعاء الخاص به. وقفلنا عائدين إلى البيت سيراً على الأقدام، فالرصيف واسع جميل تتوسطه الأشجار الجميلة، والأنوار تتلألأ من اللمبات الموفرة للطاقة.

هذه هي عمان التي أحلم بها... عمان المدينة المأخوذة بالحلم، المسكونة بالحب، المفتوحة جهة على الخيال والإبداع. هي مساحة إنتاج دائمة لمختلف التمثيلات الثقافية والبصرية، ومفتوحة على الخطابات المعمارية والأدبية والفنية، متكئة على إرث موغل في القدم، ومشرعة على الآخر بكل تجلياته. تتسم بألفة وحميمية ووداعة فهي تمتلك فضاء تتداخل فيه الأصالة بالحداثة والتراث بالمنجز الحديث. وهي تعمل على تشكيل علاقة الإنسان مع المكان هويةً وذاكرةً. ألهمت ربات الشعر، وشربت من مائها حوريات البحر، وحرستها آلهة الحظ والسعادة. ونحن بدورنا علينا أن نحرسها ونبنيها برموش العين، فهي تستحق منا الشيء الكثير، نريدها مدينة صديقة للبيئة، تستغل المناخ لتولد طاقتها، هناك مساحات واسعة للميادين والساحات التي تقام فيها فعاليات ثقافية وموسيقية، وهناك الحدائق الواسعة، ونريد شبكة مواصلات آمنة ودقيقة في مواعيدها، وهي إلى جانب ذلك صديقة للبيئة، نريد لعمان أن تمتد عاموديا وليس أفقياً كي لا تأكل الخراسانات المناطق الخضراء، ونريد لأسطح عمارات عمان أن تكون واحة خضراء. ونريد أن يكون الطراز المعماري لعمان مميزاً يطبعها بطابع خاص. نريد أن نستغل النفايات في مشاريع كثيرة، ونريد أن نعيد تدوير الورق والبلاستيك وغيرها، ونريد أن نفرز النفايات كي تسهل عملية تدويرها والاستفادة منها.

وهذا كله يستوجب تضافر جهود الجميع، مسؤولين ومواطنين، وعلينا تشجيع المبادرات التي تروم مصلحة عمان وجعلها عاصمة مميزة تفتح قلبها للضيوف وتكون قبلة لكل من يود الاسترخاء والاستمتاع.

هيفاء حجار نجار 

تعليقات

  1. مدينة عمان الحلم... "...نريد لعمان أن تمتد عاموديا وليس أفقياً كي لا تأكل الخراسانات المناطق الخضراء، ونريد لأسطح عمارات عمان أن تكون واحة خضراء. " و يا ليت لو كل بيت ينتج من خضرته و مزروعاته ليشارك بها الاهل و الجيران و نبني مجتمع متكاتف منتج. ينتج الناس الخضار العضوية و يكونو هم السوق لهم و لمجنمعهم الصغير (الحارة)...

    عودة حدادين.

    ردحذف
    الردود
    1. بالتأكيد سيدي ... فالمسؤولية جمعية وفردية تقع علينا كمواطنين ومسؤولين، والأفكار المبدعة والخلاقة لا حدود لها.

      حذف
    2. نعم صحيح. كل الإحترام!

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة